كل عام والأمة الإسلامية بخير .. وفي حال أفضل من هذا في العام القادم ! .
استمعت لخطبة الجمعة اليوم في المسجد المجاور وكان موضوعها عن الهجرة النبوية. وكعادة أئمة المساجد لا نجد عندهم ماهو جديد فنُجبر أن نستمع لخطبة مملة مكررة لا قيمة لها إلا استعادة الذكريات .. وليت الأمر يقتصر على هذا .. بل يمتد لكم من الأخطاء النحوية وفي التلاوة القرآنية فيضاف إلى حالة الملل حالة من التوتر والعصبية وربما لبعض التمتمات يستمع لها من يجاورك ! .
منذ أيام وتتملكني فكرة الهجرة .. خاصة وكنت قد استمعت لقصيدة لا تهاجر لأحمد مطر وهي قصيدة مؤلمة ربما أكتبها في نهاية الموضوع .
تملكتني فكرة الهجرة أيضا من فترة ولكن بمفهوم آخر غير الذي سأتحدث عنه .. تملكتني يوما عندما قررت أنه لا مقام لي في هذه البلد لأن كل أحلامك التي خططت لها بدلا من أن تحققها أصبحت مستمرة كذكريات مؤلمة معك في هذا المكان .. وبقدر إيلام الفراق إلا أنني كنت انتويت هذا ! .
الآن .. تغيرت الرؤية بالنسبة للهجرة بعدما استخلصت بعد العبر من قصة هجرة حبيبنا المصطفى- صلى الله عليه وسلم- .
تبدأ الهجرة وقد يُختصر سردها في مشهد واحد قد يحكي عن كل شيء .. عندما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة وهو يقول :
والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت !.
وهذا الحديث يظهر لنا مقدار الألم والاضطرار ..الذي دفع الرسول-صلوات الله عليه- أن يتخذ قرار الهجرة .
ولتتحقق الهجرة بمعانيها كان لابد من أن يصحبها الكثير من الأشياء برغم أن الله-عز وجل- قد أمر بها.. إذن فهي مباركة منه !. والأخذ بالأسباب بشكل عام هو الوسيلة التي نحقق بها أي شيء .. فليس من المفترض أن تأتي لنا -دائما- الأشياء على طبق من ذهب وبراحة وبدون تحرك .
يبدأ المعنى الأول في الهجرة بالتضحية .. وهو ما نفذه علي -كرم الله وجهه- عندما نام في فراش الرسول- صلى الله عليه وسلم- . كان علي بن أي طالب يعلم أن نسبة قتله ربما تصل لليقين . ومع ذلك اختار أن يفدي ويضحي بنفسه من أجل قناعاته التي آمن بها .. وهذه تضيحة النفس .
ثم ضحى الكثير من الصحابة بأموالهم وأنفسهم أيضا من أجل الهجرة .. من أجل إيمانهم بشيء هو كل ما يملكون.
المعنى الثاني من الهجرة يتمثل في موقف عمر بن الخطاب وموقفه المشهور عندما هاجر مكة في وضح النهار متحديا كل قريش .. شاهرا سيفه .. متوعدا بالموت لمن يفكر في اتباعه ..المعنى الثاني هو الشجاعة .. والتي نفتفدها وللأسف هذه الأيام !.
وغيرها من المواقف والتضحيات التي تعبر عن معنى الهجرة التي أتحدث عنه.. معنى الهجرة الذي لم يتمثل فقط في شخص رسولنا الكريم .. بل امتد لأصحابه ولنا بكثير من المعاني والصور والأشكال التي قد تختلف من شخص لآخر .
من المؤكد أنه تمرعلينا الكثيرمن الظروف التي نحتاج لهجرة فيها .. هجرة من أوضاع سياسية خاطئة وظلم وطغيان .. وأوضاع اجتماعية وسلوكية مشوهة لا تعبر عن المفترض والمنطق العقلي البحت .. ولم ينزل الله بها سلطانا ! .
مشكلتنا الرئيسية أن كل واحد منا يحتاج لهجرة خاصة به ومن نوع ما .. ولم نفكر أبدا في الهجرة . مشكلتنا أننا نريد تغييرا وأن نصل لشيء ما دون تضحيات ولا مخاطر .. نحب أنفسنا فقط . . لا نتطلع لآخر (سواء كان من أجل فرد أو من أجل أمة) .
ثم نردد بعض الكلام عن الحريات والجعجعات الفارغة في حين أننا نعجز عن فعل أي شيء في حياتنا العادية .. نفشل في تحقيق ما أردناه لعدم إيمان .. ونخوض في قضايا تستلزم إيمانا أكبر وتضحية أكبر وشجاعة أكبر .
إن الطريق لتحرير البلد من الفساد يبدأ من هجرة أنفسنا لنعود لذاتنا ... وقبلها هجرة إلى الله بكل ما تحمله الكلمة من معان .
ومن الأشياء التي تعوق الهجرة -أيا كان نوع الهجرة- هو الإحساس بالضعف والإحباط وأن نتملك اليأس ..وهنا رد الله عز وجل في كتابه على هؤلاء :
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا.
إن الهجرة بكل معانيها تؤكد لنا صدق مزاعمنا ..والجزاء المعنوي- على الأقل- الذي سنلاقيه حتى وإن فشلنا . ما بالكم ولو كانت هجرة أساسها الله .. وهروبا من أنفسنا المحبطة اليائسة الضعيفة وبدلا من الجلوس وانتظار المدد من أي جهة .. إذا بادرنا بالهجرة فالله لن يضيعنا أبدا :
لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا.
دائما الهجرة هي طريق الخلاص .. حتى لو كان الخلاص في الموت الذي سنناله يوما ما -شئنا أم أبينا- .. لذلك يقول الرسول-صلى الله عليه وسلم- :
إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم سمحاؤكم وأمركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم ولم يكن أمركم شورى بينكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها.
ووعدنا الله عز وجل بأن الهجرة هي الطريق المتسع الممهد الذي سنظفر به بعد طول عناء وألم .. ولكن الأهم أن نعقد النية على الهجرة . وأن نبدأ في الهجرة الفعلية .. يقول عز وجل:
وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا .
لكل منا هجرة لازمة في حياته .. ومع بداية هذا العام الهجري الجديد .. ينبغي لنا أن نبدأ في الهجرة ..
الهجرة لله عز وجل للتخلص من ذنوبنا وآثامنا التي أثقلتنا.
الهجرة من أنفسنا وضعفنا ويأسنا وإحباطاتنا . الهجرة بالصدع بالحق ضد أي شخص وأي جهة ..
الهجرة إلى من تحب وبأن تشد الرحال إليه . الهجرة للمبادئ والقيم التي طالما رددناها دون عمل ..
الهجرة لنعود إلى روحنا المفقودة في متاهات الحياة فلا تأخذنا عن أي شيء آمنا به وأحببناه
الهجرة لتخليص البلد من الفسدة ..والهجرة تتمثل في قول الحق .. وطالما أننا جهرنا بالحق ستتخلص بلادنا بشكل آلي منهم ! .
فلنبدأ بهذا.. سنهاجردون ترك هذه البلاد لأننا لم نجبر على هذا كما أجبرالرسول-صلى الله عليه وسلم-
سنهاجر ونحن في بلادنا لتغيير كل شيء لنحقق النصر في النهاية كما حدث في بدر ..ولن نهرب من بلادنا التي تملكناها .. لن نهرب من أنفسنا التي ستكون وسيلة لدخولنا الجنة أو النار .. سنهاجر
.. وتذكروا أنه لا هجرة بدون تضحية وشجاعة وعزم .. وإذا عزمت فتوكل على الله !
وكل عام وأنتم بخير
حامد إبراهيم
===========
.
قصيدة آية النسف أو لا تهاجر
لا تهاجر
كل ما حولك غادِر
لا تدع نفسك تدري بنواياك الدفينة
وعلى نفسك من نفسك حاذر
هذه الصحراء ما عادت أمينة
هذه الصحراء في صحرائها الكبرى سجينة
حولها ألف سفينة
وعلى أنفاسها مليون طائر
ترصد الجهر وما يخفى بأعماق الضمائر
وعلى باب المدينة
وقفت خمسون قينة
حسبما تقضي الأوامر
تضرب الدف وتشدو:
" أنت مجنون وساحر"
لا تهاجر
أين تمضي ؟ رقم الناقة معروف
وأوصافك في كل المخافر
وكلاب الريح تجري ولدى الرمل أوامر
أن يماشيك لكي يرفع بصمات الحوافر
خفف الوطء قليلا
فأديم الأرض من هذي العساكر
لا تهاجر
اخف إيمانك
فالإيمان ــ أستغفرهم ــ إحدى الكبائر
لا تقل إنك شاعر
تب فإن الشعر فحشاء وجرح للمشاعر
أنت أمي
فلا تقرأ
ولا تكتب ولا تحمل يراعا أو دفاتر
سوف يلقونك في الحبس
ولن يطبع آياتك ناشر
امض إن شئت وحيدا
لا تسل أين الرجال
كل أصحابك رهن الاعتقال
فالذي نام بمأواك أجير متآمر
ورفيق الدرب جاسوس عميل للدوائر
وابن من نامت على جمر الرمال في سبيل الله.. كافر
ندموا من غير ضغط
وأقروا بالضلال
رفعت أسماؤهم فوق المحاضر
وهوت أجسادهم تحت الحبال
امض إن شئت وحيدا
أنت مقتول على أية حال
سترى غارا فلا تمش أمامه
ذلك الغار كمين يختفي حين تفوت
وترى لغما على شكل حمامة
وترى آلة تسجيل على هيئة بيت العنكبوت
تلقط الكلمة حتى في السكوت
ابتعد عنه ولا تدخل وإلا ستموت
قبل أن يلقي عليك القبض فرسان العشائر
أنت مطلوب على كل المحاور
لا تهاجر
اركب الناقة واشحن ألف طن
قف كما أنت ورتل سورة النسف (1) على رأس الوثن
إنهم قد جنحوا للسلم فاجنح للذخائر
ليعود الوطن المنفي منصورا إلى أرض الوطن
سورة النسف : "وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً
"
(أحمد مطر)